و هنا الفصل خاتمة الرواية
كان وقت الظهيرة,حين ارتفعت السحب الي عنان السماء, و لم يمر وقت طويل حتي اختفت عن الرؤية قمم سلسلة جبال المسيف بمنطقة الملك الاعظم, و كلما أوغلت في الصعود الي منطقة سقيفة راعي الجبل بالالب, كلما اشتدت كثافة الضباب, و حين خرجت من كوخ رأس الجبل-و كان ذلك حوالي الثانية عشرة و النصف- حيث توقفت به للراحة, كان الضبابب قد غلف كل شئ علي مرمي البصر, و لا يمكن لاحد رؤية شئ إلا علي بعد عشرين متراً... عبرت وادي منطقة ريدينج, و تجولت علي قمة جبل منطقة ميتربرج, مرورا بدار أرثر, قاصداً سقيفة جبل ميترفيلد ... إلا أنني حين سرت بضع مئات من الامتار علي المدق الحجري الضيق, هبت ريح عاتية تنبئ بالخطر, جاءت حاملة معها جليداً, تعرفه انوف الرحالة بجبال الالب عن بعد عند هبوبها..( و في كل الاحوال كان ذلك في نهاية اكتوبر), فاتخذت قراري بالعودة و عدم المضي في اهجاهي هذا, و ان اواصل رحلة تجولي من منطقة يجرشتايج صوب بيشوفسهوفن.. كان قد مضي علي تجوالي حتي الان نحو اربع ساعات, و لكنني لم استشعر مطلقاً بثمة تعب يذكر .. و حين تجولت لفترة قصيرة في اتجاه نزول الجبل كانت الرياح قد هدأ هبوبها حتي توقفت تماما بعد ذلك, و صارت الرؤية افضل .. كان السكون التام يسود كل مكان من حولي, و فروع الاشجار هادئة, ما من شئ يحركها كأنها في غفوة, بل توقفت زقزقة العصافير, فلا تسمع صوتا من حولك, و كأن الطبيعة قد غطت في ثبات عميق .. شعرت باستيقاظ روحي و باشراق في نفسي, فجلست تحت شجرة صنوبر علي حافة الطريق.
تلاشت الافكار عن ذهني و لم اعد اعمل فكري في شئ يذكر, و كان احساسي الذي شعرت به كأنني اتنفس بالشهيق نفسه الذي تتنفس به الاشجار و الحشائش و الاحجار.
و كم تمنيت أن أمكث هنا حيث أكون إلي أبد الآبدين, و لكن سرعان ما حرضت نفسي علي الإفاقة من الغفوة التي انا بها- فلا بد أن الحق بالقطار, فواصلت تجوالي بالمدق الهابط الي الوادي, و شعرت بأنني وحيد في هذا العالم, لا أحد غيري معي في هذه الدنيا .. و حين وصلت بعد ذلك الي اول محطة للقطار, رأيت فلاحا صغيرا عجوزا يعالج سياج الورود المتسلقة , فأسديت إليه تحية و سلاما بصوت مرتفع.