الاثنين، 5 أغسطس 2013

يقين .. قصة قصيرة




التصق علي حائط الحيرة .. لا تشهقها و تزفرها انفاس الخوف .. اكتمها ..ارسلها الي الداخل الاعمق .. الطريق .. الي الخارج يمر عبر صرخة عالية .. قد ينهار هذا الجدار القائم.. لكنك لا تستطيع الفرار من ذات المواجهة .. حائط آخر يترصد .. ارسل كل شئ الي مشيئة اخري .. تنفس ملْ رئتيك ..لا يعنيك من سقوط الآخر الآخر في شئ .. شأنك في الحب .. فرح وجودي ..ذاكرة قريبة تقفل ابوابها عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .. عند النوم .. اليوم الجديد يحبذ الفرح .. ولكنه يتقبل بدائل جديدة بشئ من القلق سريع التلاشي .. امضي فأنت لم تتسبب في أمراض القلب .. ولم تكن يوما جرثومة تنقل عدوي مرض النكران و الحزن ..أو مستشارا بقرر مصائر العباد في اختيار ملابسهم و اكلهم و شربهم ..و متعتهم... 

ما زلت كما انت .. ولكنك تبدو الآن اكثر توترا ...مجيئك قبل عبيد بعشر دقائق ...تخاف قدومه و ربما تستعجله ... انت لا تدري من امرك شيئا الآن ...انت خارج العالم الحسي ... كوبان فارغان علي الطاولة امامك .. لا تدري هل احضرتا هكذا أم انك كنت قد استدعيت الجرسون للمرة الثانية وهو في طريقه اليك لأحضار كوبي الماء.. و القهوة ...

ولكن ماذا عن الالتزام ؟ ... لا اظنك قد اعطيت مساحة للحزن .. مازلت تسقط فتات الخبز الجاف او حبات القمح .. في الفناء الخلفي للمنزل .. و كذلك الماء .. حيث لا ضجيج يمنع الطير من اسماعك تغريده المبهج .. كل صباح .. تمتلئ حبورا في منحك الغذاء ...

أي شخص بقربك أكثر ما يلفته دحرجتك للكوب الفارغ من آن لآخر ...كنت تدحرجه بصورة منتظمة .. كأنك تستمع الي ايقاع خفي .. موسيقي هادئة ... ولكنك في لحظات تذهب بهذا الايقاع ادراج الرياح ... ايقاع آخر سريع يقذف بالكوب علي الأرض .. تحميه ارض مغطاة بالنجيل من التهشم ..

إحكي عن تلك الغبطة التي مازالت تلازمك في وجود شخص كعبيد في محيطك المغلق الصغير.. الكبير جدا معه .. سميته صديقك الصدوق .. إحكي عن وفائه ... أو اترك هذا جانبا .. وتكلم فقط عن ماهية وجوده معك .. و قيمة الحب ... المطلقة .. مواقفه التي اشنفت بها اذان الجميع بصوت عال ...

أو ... لو تذكر عندما حادثك عن احلامه البسيطة ... امرأة جميلة و صادقه ... تأتي له باطفال كالنسيم اللطيف .. عن اسرة تملأ حياته بالحب و الجمال ... بعد ان اصابه الياس .. في ان العطب لا يمكن اصلاحه ...في الوقت الراهن .. لم يفكر في الفرار مثلك عندما امتلأت غضبا .. قلت له ان البلاد صارت لغيركم .. يستحلونها كما يشأون .. و يفسدون فيها دون رقيب بعد ان جردوا الجميع من كل الاسلحة .. حتي الالسنة التي تنطق بالسلام .. قطعوها من جذورها .. قال لك اسرة صغيرة اجد فيها عزائي ...اما أنت فاذهب حيث شئت .. عندما تعود سنكون كلنا في استقبالك .. لم تجادله كثيرا و انت تعرف مدي ولعه بتلك البلاد رغم ما اصابها ...لكنه ليس مثلك .. هو مؤمن بتغيير الازمان .. و الناس .. 

ابتسامتك الجميلة تأخذ الآن حيزا وجيزا .. في تأملك الظاهري لألوان القماشة ... و تشكلاتها المتعددة ... كنت تذهب من لون لآخر و من شكل مستقيم لآخر يتعرج .. هكذا تبدو في تتبعك لقماشة الطاولة ... التي لاتدري بوجودها اصلا...

حالك الآن.. ماذا تفعل و انت تري عقرب سوداء .. علي لياقة القميص ..لشخص معطيك ظهره .. و هو في انشغال .. للأمام.. لا يدري عنها شيئا .. علي بعد سنتيمترات قليله من عنقه .. صمتك .. قد تنفرج تلك الازمة و تذهب العقرب الي حالها ... او .. قد تواصل جولتها في تلك المنطقة .. للمزيد من ارباكك الظاهر ... او ربما .. لدغة سريعة .. تؤدي بحياته .. وقد تأتي تلك اللدغة حال تنبيهك اياه في كسر لذلك الصمت ...
كنت بعيدا عندما هاتفك عبيد .. فرحا بقرب موعد زواجه .. من امرأة احبها بكل ما تملك نفسه من قوة العطاء و الحب .. و الاندهاش .. و كان قد اختلط عليك الفرح و الحزن يوم زواجه ... لانك مازلت بعيدا و كان من الصعب عليك .. مشاركة حقيقية خططت لها في احلام يقظتك ... بكيت و انت تهاتفه مهنئا .. و بكي هو الاخر ...
ثم بكيت في مناسبتين اخريين .. ا يضا و هو يهاتفك معلنا قدوم مولوده الاول ... و مرة اخري ..اخبرك بانها بنت.. سميتها انت .. قلت له لا بد ان تكون عزة ...

الجرسون اثناء مروره بالقرب منك .. ينبهك الي تخفيض حدة التصادم بين الاكواب الفارغة .. و التي بدأت في ازعاج الذين حولك .. إضافة لخوفه من صاحب العمل لو كسرت تلك الاكواب ...كنت قد بدأت لعبة الالتصاق .. التباعد و التقارب بين الاكواب .. كأنك تمنيت بقدومك قبل الآن بزمن طويل .. او بقائك نهائيا .. هناك ...وظللت تمارس لعبة أخري .. هي لعبة الصور ... فقد كانت تفتح خيالك الخصب علي سيناريوهات جميلة للحركة والحب .. و الوفاء ..
المملكة الصغيرة .. و التي اطلقها عبيد علي اسرته ... كانت الصور تأتيك تباعا مع كل مناسبة تخص اسرة عبيد ... اعياد الميلاد ... الاعياد ... الرحلات العادية ... شاهدت من خلالها نمو الاطفال ... مشاكلهم الصحية عندما لاحظت نحافة طفله الصغير في احدي الصور .. و التي اخبرك عبيد بانه كان في مرحلة التسنين ... وكذلك الخطابات المرافقة لبعض الالبومات .. 

لاول مرة تنتبه للساعة..قبلها لم تعرف كم من الوقت قد مضي علي جلوسك .. هل هي دقائق .. ساعات .. كل ما استدركته ان عبيد علي وصول .. لقاء رتبت له انت بعيد عن الاسرة والاصدقاء .. كنت قد امضيت معهم اوقات رائعة في الايام الفائتة... قد احسنوا استقبالك .. بالكثير من البشاشة و الفرح .. تلتفت الي ناحية المدخل اكثر من مرة .. يدك اليمني علي رأسك .. تناوش باصابعك علي شعر راسك .. ثم .. كدت ان تسقط علي ظهرك بعد ان مال بك الكرسي .. ميلان وعيته في وقت مناسب .. ولكنك سرعان ما استعدت توازنك .. و نظرت للساعة مرة اخري و انت تنظر لمدخل المطعم .. الذي يأخذ موقعا علي ركن حديقة كبيرة .. في منتصف البلد ..

حادثك كثيرا عن زوجته من خلال تلك الخطابات ...المرة الصنديدة كما يقال باللغة السودانية ..حكي لك الكثير عن مواقفها ...كيف انها ظلت تحادثه بابتسامة صادقة طيلة ثلاثة ايام , امتلأت بطونهم او لم تمتلي ..خلالها سوي برغيف حاف ..كانت صفحات الخطاب تسرد لك الكثير من تلك المحبة .. و الصدق .. و في معظمها كان يختمها لك بتلك الكلمات .. بأن اليقين قد صار ثلاثا في تلك البلاد .. امرأة جميلة وصادقة .. و اطفال رائعون .. و الموت .. و في دعابة ظاهرة يقول لك .. ورابعهم ليس بكلبهم .. و لكنه انت يا صديقي ..

أما يقينك أنت .. فقد كان وفق حدث ما ... لم تحدث به سوي نفسك حتي هذه اللحظة .. ربما قد كان في الليلة الفائتة . حيث جمعتك واسرة عبيد مناسبة عشاء خارج المنزل .. علي شرف وصولك للبلاد .. بعد انقطاع طويل عنها.. تكرار الحدث .. للمرة الثانية .. كان اكثر الحاحا من سابقه .... في المرة الأولي قلت لنفسك ربما هي ايماءة غير مقصودة ...و اشغلت نفسك بملاعبة الاطفال .. و الحديث مع عبيد .. ونسيان ما قد كان .. ربما كل شئ كان وفق حرص مدروس جيدا ... كان هناك مايسمي بجس النبض ... حتي في المرة الثانية .. يقينك كان وفق احساس ايضا هو قد لا يكذب صاحبه ... و الحدث في ظاهره يقع تحت بند الاحتمالية .. كنت قد ابعدت رجلك قليلا .. عندما احسست بيدها اليسري عليك ... فقد كانت زوجة عبيد تجلس علي يمينك اثناء تناولكم للعشاء ..و أنظار عبيد بعيدة عما قد يحدث تحت الطاولة بينكما ... لم تكرر هي ما فعلت مرة أخري .. فقد كان ابتعادك عنها فيه رفض واضح لأي شئ محتمل ..نحن نتحدث هنا عن يقين يخصك وحدك .. ولكن ..

تلك العقرب التي تراها .. ربما قد تكون شيئا آخر ليس بضار ...عنكبوت غير سامة مثلا .. او قد تكون زرارة قميص ... غيابك عن البلاد طالت مدته .. ذهبت والغضب لا يبارح نفس عزيزة تملأك .. و في مجيئك لم تجد ما يخفف جرحك سوي هذه الأسرة الجميلة .. ربما هو خوف علي عبيد .. حادثت نفسك به كثيرا .. هناك .. وهنا .. 
أو ... لتخبره .. بهدوء .. بأن العقرب موجودة ... فقد يكون هو صاحب الترياق .. و فيه علاج كاف لتلك الحيرة و الخوف اللذان يتملكانك ... ربما 

هناك تعليق واحد: